تعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء- السودان في مفترق طرق؟

المؤلف: ركابي حسن يعقوب09.02.2025
تعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء- السودان في مفترق طرق؟

في تطور بالغ الأهمية على الساحة السياسية السودانية، أصدر رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، يوم الإثنين الموافق 20 مايو/أيار 2025، مرسومًا دستوريًا يقضي بتعيين الدبلوماسي المخضرم كامل الطيب إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء.

يتمتع السيد كامل إدريس بخبرة واسعة في المجال الدبلوماسي والسياسي، حيث تقلد منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) لأكثر من عقد من الزمان، كما شغل منصب الأمين العام للاتحاد الدولي لحماية المصنفات النباتية (يوبوف).

ويُعرف إدريس بأنه شخصية سياسية مستقلة، لم يسبق له الانتماء إلى أي حزب أو تيار أيديولوجي، وقد خاض غمار المنافسة الانتخابية في انتخابات الرئاسة عام 2010 كمرشح مستقل في مواجهة الرئيس الأسبق عمر البشير.

تزخر المسيرة المهنية للرجل بإسهامات جليلة ومواقع قيادية متنوعة، أسهمت في تكوين خبرة متراكمة جعلته خيارًا متميزًا من بين العديد من الشخصيات الأخرى لتولي منصب رئيس الوزراء في هذا المنعطف الحساس الذي يمر به السودان.

إن اختيار كامل إدريس لرئاسة الوزراء بكامل الصلاحيات يضع حدًا لفترة من الفراغ الدستوري في هذا المنصب، والتي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات منذ استقالة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك في يناير/ كانون الثاني من العام 2022، حيث ظل مجلس الوزراء طوال تلك الفترة يمارس مهامه التنفيذية بالتكليف.

وقد أثار تعيين كامل إدريس نقاشًا محتدمًا في الأوساط الشعبية وعلى مستوى النخب والقوى السياسية السودانية على حد سواء، ليس فقط لأن قرار تعيينه جاء بشكل مفاجئ وغير متوقع، وإنما أيضًا بسبب ابتعاد الرجل عن المشهد السياسي – على الأقل – منذ اندلاع الحرب التي دخلت عامها الثالث الآن، حيث لازم الرجل ما يشبه العزلة عن مجريات الأحداث، واختار الابتعاد عن الاستقطاب الحاد بين قوات الدعم السريع وجناحها السياسي بقيادة حمدوك من جهة، والحكومة السودانية ومؤيديها من القوى السياسية من جهة أخرى.

لقد تمكن كامل إدريس من الحفاظ على موقف محايد تمامًا بين الطرفين، ولم ينحز إلى طرف دون الآخر، وهو الأمر الذي يعكس بوضوح شخصيته التي تميل بشكل كبير نحو الاستقلالية والنزاهة.

لهذا السبب بالتحديد، أثار تعيينه جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية، وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض.

كانت قوات الدعم السريع وجناحها السياسي في مقدمة المعارضين لتعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء بكامل الصلاحيات، وهم يرتكزون في معارضتهم ورفضهم لتعيين الرجل على ما يرونه من أن الحكومة الحالية تفتقر إلى الشرعية التي تخولها القيام بهذا الإجراء من الأساس، معتبرين أن شرعيتها قد انتهت عقب اتخاذ البرهان إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والتي قضت بإزاحة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك من منصبه.

وترى هذه الفئة أن حمدوك هو رئيس الوزراء الشرعي، إلا أن هذا الرأي يصطدم بحقيقة أن حمدوك كان قد أعيد إلى منصبه في أقل من شهر من تاريخ إزاحته، ولكنه وبعد شهرين من إعادته تقدم باستقالته لرئيس مجلس السيادة، معللاً الاستقالة بفشل جهوده في تحقيق إجماع سياسي وطني "ضروري للإيفاء بما وعدنا به المواطن من أمن وسلام وعدالة وحقن للدماء"، على حد تعبيره.

ومن بين الأسباب الأخرى التي دفعت قوات الدعم السريع وجناحها السياسي إلى رفض تعيين كامل إدريس، اتهامهم له بأنه من صنيعة نظام البشير، وأنه كان جزءًا من ذلك النظام، وأنه – حسبما عبر عن ذلك المستشار القانوني لقوات الدعم السريع محمد مختار النور – يتماهى مع التيار الإسلامي، وأن تاريخه حافل بالتناقضات.

في المقابل، تبرز أصوات أخرى متفاوتة داخل معسكر الرافضين لتعيين كامل إدريس، وتمثل مشارب مختلفة داخل الطيف السياسي السوداني من قوى وطنية تقف مساندة ومؤيدة للجيش وللحكومة السودانية، منهم سياسيون، وصحفيون، وناشطون، خاصة من فئة الشباب، الذين عبروا عن تحفظاتهم على تعيين الرجل في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد بنى هؤلاء موقفهم هذا على أن التزام كامل إدريس بالحياد إزاء الحرب، هو موقف يثير الشكوك حول حقيقة موقفه؛ باعتبار أن طبيعة الحرب – وما نجم عنها من تداعيات شديدة الفظاعة، بسبب الانتهاكات وجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، والتدخل الخارجي بالدعم – لا تدع مجالاً للوقوف على الحياد منها، ولا تبرر أي اتجاه سلبي لا يفصح بشكل واضح عن دعمه للجيش والحكومة.

أما في الجانب الآخر، وعلى صعيد الفئة المؤيدة لتعيين كامل إدريس، فتأتي على رأس هذه الفئة القوى السياسية التي كانت قد تقدمت للبرهان بخارطة طريق للفترة الانتقالية، وتضم هذه القوى السياسية الكتلة الديمقراطية، وتحالف الحراك الوطني، وتحالف سودان العدالة، وحزب المؤتمر الشعبي بقيادة الأمين محمود.

وقد أشادت هذه الفئة بقرار التعيين، ووصفته بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح، كونه يتيح الفرصة للجانب المدني للقيام بواجبه تجاه إعادة إحياء العمل التنفيذي، والاهتمام بمعاش المواطنين، وتطبيع الحياة، وتقديم الخدمات لهم، وأن من شأن تعيين رئيس وزراء بكامل الصلاحيات أن يقود إلى انتقال سلس يتم من خلاله تنفيذ اتفاقية سلام جوبا، والتحضير لإجراء الانتخابات العامة مع نهاية الفترة الانتقالية المحددة.

ومن ضمن هذه الفئة المؤيدة، برزت أصوات من خارج "منظومة خارطة الطريق"، أبرزها صوت رئيس حزب المؤتمر الوطني (المفوض)، الذي يمثل قسمًا كبيرًا من (الإسلاميين) برئاسة أحمد هارون، حيث أصدر الحزب بيانًا أشاد فيه بقرار التعيين، واصفًا إياه بالخطوة المهمة على طريق "إعادة ترتيب البيت الوطني الداخلي بما يمكن المجلس السيادي وقيادة الجيش من الاضطلاع بمهامهما الجسيمة ويتيح الفرصة لتكوين حكومة تضطلع بمهامها بكفاءة". وامتدح هارون رئيس الوزراء المعين واصفًا إياه بأنه "كفاءة وطنية مستقلة".

تجدر الإشارة إلى أن موقف الرافضين لتعيين رئيس الوزراء يركز بشكل أساسي على انتقاد (شخص) رئيس الوزراء المعين، وليس على الخطوة نفسها، في حين أنه من المسلم به سياسيًا وقانونيًا وفقًا للوثيقة الدستورية أن تعيين رئيس وزراء بصلاحيات كاملة هو من متطلبات وضروريات المرحلة الانتقالية، وركن أساسي في عملية الانتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي، لذلك فإن هذا التيار الرافض لتعيين كامل إدريس، قد أضعف موقفه بالتركيز على رفض شخصِه فقط، وإثارة اتهامات بشأنِه يصعب إثباتها.

وعلى الجانب المقابل، فإن المؤيدين للتعيين لم يستندوا في تأييدهم إلى السمات الشخصية، ولا على الموقف الحيادي لرئيس الوزراء المعين من الحرب، وإنما انطلقوا من كون الخطوة صحيحة وتؤدي إلى استكمال الدور الانتقالي للحكومة، وتتيح الفرصة لقيادة الجيش من أجل التفرغ لمهامها الدفاعية، واستكمال مسيرة النصر واستئصال التمرد.

ومن الجدير بالذكر أن مهمة السيد كامل إدريس لن تكون يسيرة، وتواجهه العديد من التحديات الجسام، يأتي في مقدمتها التحدي الاقتصادي، وهو ملف معقد وشائك، حيث ينتظر من حكومته المرتقبة أن تقوم بتنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة، وتحقيق تحسينات ملموسة في مستوى معيشة الناس، خاصة في مجال الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء، وصحة، وتعليم، وإعادة تأهيل مرافق البنية التحتية المتضررة، وإيجاد حلول فعالة لمشكلات تصدير الذهب الذي يمثل حجر الزاوية في إيرادات الدولة.

فضلاً عن ذلك، تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة تأهيل المشاريع الزراعية المتدهورة، وعلى رأسها مشروع الجزيرة العملاق، الذي يعد الأكبر على نطاق الدولة، والذي طالته يد التخريب والتدمير على يد قوات الدعم السريع.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه رئيس الوزراء المعين تحديات سياسية جمة، تتجسد بصورة عامة في تحقيق انتقال سلس من الفترة الانتقالية، والتي ستمتد وفقًا لخارطة الطريق لمدة أربع سنوات، يتم خلالها تهيئة مناخ سياسي صحي، وتمهيد الطريق لإحداث توافق سياسي على صيغة وشكل الحكم المدني الديمقراطي، والتحضير للانتخابات والإشراف عليها وعلى نزاهتها، ومن ثم تسليم مقاليد الحكم لحكومة منتخبة بإرادة شعبية. وكل ذلك يتم تحت رقابة شعبية مباشرة، مما يضع حكومة السيد كامل المرتقبة تحت ضغط شعبي هائل ومباشر.

إن المهمة ليست سهلة على الإطلاق، ولكنها ليست مستحيلة، إذا ما توفر الدعم الشعبي اللازم لرئيس الوزراء وحكومته، وإذا أحسن رئيس الوزراء اختيار فريقه الوزاري على أساس الكفاءة والتخصص والجدارة، بعيدًا عن المحاصصة والمجاملات السياسية الضيقة، وتفعيل قوانين المحاسبة والمساءلة وتشديد الرقابة على أداء المسؤولين ومكافحة الفساد المستشري.

فهل ستستطيع الحكومة القادمة أن تلبي مطالب وتوقعات وتطلعات مؤيديها، وأن تكون على قدر الثقة الغالية التي وضعوها فيها، ولا تخيب ظنهم، وتنال شرف إخراج السودان من حالة الحرب والفوضى وعدم الاستقرار إلى حالة الأمن والسلام والرخاء والحكم الديمقراطي الرشيد، أم أنها ستنحرف عن المسار الصحيح، وتدور في نفس الدائرة المفرغة، وتلحق بسابقاتها من الحكومات التي لم تحقق طموحات الشعب؟

الحقيقة المؤكدة هي أنه لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال في الوقت الراهن، فالوقت لا يزال مبكرًا جدًا، وحبر قرار التعيين لم يجفّ بعد، وتطورات الأحداث في ظلّ حالة الحرب الراهنة متقلّبة، ويصعب التنبؤ بمسارها ومآلاتها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة